19 - 06 - 2024

تدمير غزة | عقاب جماعي لم يستوعب دروس التاريخ ولن ينجح في هزيمة حماس

تدمير غزة | عقاب جماعي لم يستوعب دروس التاريخ ولن ينجح في هزيمة حماس

(تنبيه : يرجى قراءة المقال بحذر فهو و إن اعترف بفشل الكيان الصهيوني في ضرب المقاومة الفلسطينية لكنه في نفس الوقت يهاجم المقاومة ويتهمها بالإرهاب) 

منذ السابع من أكتوبر غزت إسرائيل شمال غزة بنحو 40000 من القوات المقاتلة واستهدفت المنطقة الصغيرة بواحدة من أشد حملات القصف في التاريخ . وكنتيجة لذلك غادر ما يقرب من 2 مليون شخص منازلهم. وقد قتل أكثر من 15000 مدني (من بينهم 6000 طفل و 5000 سيدة) في الهجوم وفق ما أعلنته وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس وقالت وزارة الخارجية الأمريكية أن العدد الحقيقي للجرحى ربما يكون أكبر من ذلك. وقد قصفت إسرائيل المستشفيات وعربات الإسعاف ودمرت ما يقرب من نصف مباني شمال غزة . وقد قطعت واقعيا جميع إمدادات المياه والغذاء والكهرباء لسكان غزة البالغ عددهم 2 مليون . ووفقا لأى تعريف يمكن اعتبار هذه الحملة عقابا جماعيا ضخما ضد المدنيين. 

حتى الآن وبينما تتوغل القوات الإسرائيلية في جنوب غزة فإن الهدف الحقيقى من الحملة أبعد ما يكون عن الوضوح. إن القادة الاسرائيليين يزعمون أنهم يستهدفون حماس فقط إلا أن غياب الأدلة على ذلك يثير أسئلة حقيقية حول ما تنوى الحكومة فعله حقيقة . هل تعد رغبة إسرائيل في تدمير غزة نتاجا لنفس عدم الكفاءة التي أدت إلى الفشل الكبير للجيش الاسرائيلى في مواجهة هجوم حماس في 7 اكتوبر والتي كانت خططها بحوزة الجيش الاسرائيلى والمسئولين الاستخباريين منذ أكثر من عام؟ و هل يعد تدمير شمال غزة وجنوب غزة مقدمة لإرسال جميع سكان المنطقة إلى مصر كما هو مقترح في (ورقة مفاهيم) أصدرتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية ؟ 

أيا كان الهدف النهائى فإن التدمير الجماعى يثير إشكاليات أخلاقية عميقة. ولكن حتى إذا حكمنا بشكل متجرد وفقا للمصطلحات الاستراتيجية فإن الأسلوب الذى تعالج به اسرائيل الأمور محكوم عليه بالفشل وهو بالفعل فاشل . إن سياسة العقاب الجماعى الشامل لم تقنع سكان غزة بإيقاف الدعم لحماس . بل على النقيض فقد أدى هذا الامر إلى إثارة الاستياء في أوساط الفلسطينيين . ناهيك عن أن الحملة لم تنجح في تدمير الجماعة التى تتشدق بأنها تستهدفها .إن ما يزيد عن خمسين يوما من الحرب تظهر أنه بينما تستطيع اسرائيل تدمير غزة فإنها لا تستطيع تدمير حماس . وفي الحقيقة فإن الجماعة ربما ستكون أقوى مما كانت عليه من قبل. 

إن اسرائيل ليست الدولة الاولى التى ترتكب خطأ بوضع ثقة مفرطة في القوات الجوية . يحدثنا التاريخ أن قصف المناطق المدنية على نطاق واسع لم يحقق ابدا أغراضه . وكان يمكن أن تكون إسرائيل أفضل حالا إذا استخلصت هذه الدروس وردت على هجوم 7 اكتوبر بغارات دقيقة جراحية ضد قادة حماس ومقاتليها بدلا من حملة القصف العشوائى التى اختارتها. ولكن الوقت لم يفت بعد لتغيير المسار و تبنى استراتيجية بديلة لتحقيق الآمن الدائم ومعالجة تؤدى إلى دق إسفين سياسى بين حماس و الفلسطينيين بدلا من التعامل معهم ككتلة واحدة : ألا و هى اتخاذ خطوات جادة نحو حل الدولتين .

خسارة القلوب و العقول 

منذ ظهور القوة الجوية سعت الدول لقصف الأعداء لدفعهم إلى الاستسلام وللنيل من الروح المعنوية للمدنيين، وبدفعهم إلى نقطة الانهيار كما تقول النظرية فإن السكان سيثورون ضد حكوماتهم. 

وقد وصلت إستراتيجية العقاب القسرى إلى ذروتها في الحرب العالمية الثانية . ويذكرنا التاريخ بالقصف العشوائى للمدن من خلال أسماء الأماكن المستهدفة ومن بينها: هامبورج (40000 قتيل) ودريسدن (25000 قتيل) 

الآن يمكن إضافة غزة إلى هذه القائمة سيئة السمعة. حيث شبه نتنياهو بنفسه الحملة الحالية بقتال الحلفاء في الحرب العالمية الثانية . وبينما ينكر نتنياهو انخراط اسرائيل في العقاب الجماعى فإنه أشار إلى قيام سلاح الجو الملكى البريطانى بشن غارة استهدفت مقر الجستابو في كوبنهاجن أدت إلى مقتل عدد من تلاميذ المدارس. 

ما لم يشر إليه نتنياهو هو أن  أيا من جهود الحلفاء لعقاب المدنيين بشكل جماعى لم تنجح في الواقع . فقد شن الحلفاء حملة قصف استهدفت 58 مدينة ألمانية في نهاية الحرب. ولكنها لم تنجح في التأثير على الروح المعنوية للمدنيين أو دفعهم للانتفاض ضد أدولف هتلر.  ورغم التنبؤات المملوءة بنبرة الثقة من مسؤولى الحلفاء، في الواقع فقد شجعت الحملة الألمان على القتال بشكل أشرس خوفا من سلام شديد الوطأة في حقبة ما بعد الحرب. 

إن الفشل هنا لا ينبغي أن يكون مفاجئا فبالنظر لما حدث حينما حاول النازيون إتباع نفس التكتيك وقاموا بقصف لندن ومدن بريطانية أخرى في غارات سميت بالبليتز (Blitz) بين عامى 1940 و 1941 وأسفرت عن مقتل أكثر من 40000 شخص ومع ذلك رفض رئيس الوزراء البريطانى تشرشل الاستسلام بل على العكس قام بتوظيف الضحايا المدنيين لتعبئة المجتمع للقيام بالتضحيات اللازمة للنصر. وبدلا من تدمير الروح المعنوية دفعت غارات البليتز البريطانيين إلى تكثيف الجهود مع حلفائهم الأمريكيين والسوفييت لشن هجوم مضاد وغزو الدولة التى قامت بقصفهم.

في الحقيقة لا توجد اية حملة قصف دفعت السكان المستهدفين إلى الثورة ضد حكومتهم . فقد جربت الولايات المتحدة هذا التكتيك عدة مرات بلا جدوى . فخلال الحرب الكورية قامت الولايات المتحدة بتدمير 90% من الطاقة الكهربائية في كوريا الشمالية وفي حرب فيتنام قامت بقصف معظم إمدادات الطاقة في فيتنام الشمالية. و في حرب الخليج هاجمت القوات الجوية الامريكية 90% من الطاقة الكهربائية في العراق. ولكن أيا من هذه الغارات لم تنجح في جعل السكان ينتفضون.

وتعد الحرب في أوكرانيا أحدث مثال على ذلك، فعلى مدار عامين تقريبا سعت روسيا إلى قهر أوكرانيا عبر الموجة تلو الموجة من الغارات الجوية المدمرة على المدن على امتداد البلاد مما أسفر عن مقتل 10000 مدنى وتدمير اكثر من 1.5 مليون منزل وتشريد 8 مليون اوكرانى . بمنتهى الوضوح دمرت روسيا أوكرانيا و لكن ذلك الامر لم ينل من الروح القتالية لأوكرانيا وهذا العقاب الجماعى الضخم لم يقنع الاوكرانيين سوى بمزيد من القتال بضراوة أكثر من اى وقت مضى. 

هذا النموذج التاريخى يتكرر بحذافيره في غزة، رغم مرور ما يقرب من شهرين على العمليات العسكرية الضخمة التى تحظى بدعم مطلق من الولايات المتحدة وأغلب دول العالم لم تحقق إسرائيل سوى نتائج هامشية، وبأى مقياس فإن الحملة لم تؤد حتى إلى إيقاع هزيمة جزئية بحماس. وقد قتلت الغارات الجوية والعمليات البرية ما يقرب من 5000 من مقاتلى حماس (وفقا لمسؤولين إسرائيليين) من بين 30000 مقاتل . ولكن هذه الخسائر لم تؤد بشكل كبير إلى تقليل التهديد الموجه للإسرائيليين كما أثبتت هجمات 7 اكتوبر حيث يكفى فقط عدة مئات من المقاتلين داخل المجتمعات الاسرائيلية. والاسوأ من ذلك أن المسؤولين الاسرائيليين قد اعترفوا أن الحملة الاسرائيلية قتلت عددا من المدنيين بوصفهم من مقاتلى حماس . بعبارة اخرى فإن اسرائيل تفرخ المزيد من الارهابيين اكثر ممن تقتلهم حيث أن كل مدنى قتيل سوف تكون له عائلة أو أصدقاء يرغبون في الانضمام لحماس لكى يثأروا له .

إن البنية التحتية العسكرية لحماس لم يتم تفكيكها حتى بعد العمليات الأكثر تبجحا ضد مستشفى الشفاء والتى زعم الجيش الاسرائيلى أن حماس قد استخدمتها كقاعدة للعمليات . وكما تظهر مقاطع الفيديو التى نشرتها القوات الاسرائيلية فإن اسرائيل استولت ودمرت مداخل عدد من أنفاق حماس ولكن هذه الانفاق يمكن في النهاية إصلاحها وإعادتها كما بنيت في المرة الأولى، والأكثر أهمية أن قادة حماس ومقاتليها يبدو وكأنهم تركوا هذه الأنفاق قبل ان تدخلها القوات الاسرائيلية وهو ما يعنى أن البنية التحتية العسكرية الأكثر أهمية للجماعة ومقاتليها لا تزال موجودة. وقد استفادت حماس أكثر من القوات الإسرائيلية : حيث يمكنها الانسحاب من القتال والانغماس في أوساط السكان المدنيين والانتظار حتى يمكن القتال مرة أخرى بشروط أكثر ملاءمة. وهذا هو السبب الذى يجعل العملية الإسرائيلية البرية واسعة النطاق محكوم عليها بالفشل أيضا. 

على نطاق واسع لم تنجح الحملة العسكرية الإسرائيلية في إضعاف سيطرة حماس على غزة. فقد أنقذت إسرائيل واحدة فقط من 240 رهينة تم أسرهم في هجوم أكتوبر. أما باقى الأسرى فقد أطلقت حماس سراحهم وهو ما يظهر أن حماس لا تزال مسيطرة على مقاتليها. 

رغم النقص الكبير في إمدادات الطاقة والدمار الكبير على امتداد غزة تواصل حماس وبكثافة نشر مقاطع فيديو دعائية تظهر الأعمال الوحشية التى يرتكبها الإسرائيليون ضد المدنيين. وتنتشر دعاية الجماعة على نطاق واسع عبر تطبيق المراسلة تليجرام حيث توجد لديها قناة تحظى بمتابعة 620000 مشترك وفقا لاحصائيات مشروع جامعة شيكاغو للأمن و التهديدات الذى أديره، فإن جناح حماس العسكرى (كتائب القسام) نشر ما يقرب من 200 ألف مقطع فيديو وبوستر أو ملصق كل أسبوع منذ 11 اكتوبر و حتى 22 نوفمبر عبر تلك القناة. 

الأرض مقابل السلام 

إن السبيل الوحيد لهزيمة حماس بشكل دائم هو الهجوم على قادتها ومقاتليها وهم معزولون عن السكان (الذين يحتمون بهم) وهذا الأمر من أسهل ما يمكن فعله خصوصا حينما نعلم أن حماس تستمد مجنديها مباشرة من السكان المحليين أكثر ممن هم في الخارج . في الواقع هناك استطلاع رأى ذو دلالة يظهر المدى الذى وصلت له العملية الإسرائيلية العسكرية وهو أن تلك العملية تفرخ الآن المزيد من الإرهابيين! (المقاومين) أكثر ممن تقتلهم. ففى 14 نوفمبر أجرت مؤسسة العالم العربى للبحوث و التنمية استطلاعا للرأي في الضفة الغربية وغزة اظهر أن 76% من الذين تم استطلاع آرائهم يرون حماس بشكل إيجابى وذلك مقارنة باستطلاع سابق أوضح فيه 27 % ممن تم استطلاع آرائهم أن حماس (هى الأكثر استحقاقا لتمثيل الفلسطينيين). والمعنى الكامن وراء الاستطلاع أن قطاعا كبيرا من اكثر من 500000 رجل فلسطينى تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عاما أصبحوا مجندين تحت الطلب لدى حماس والمجموعات الفلسطينية الأخرى التى تسعى لاستهداف إسرائيل. 

هذه النتيجة تعزز أيضا دروس التاريخ، فعلى النقيض من الحكمة المألوفة فإن معظم الارهابيين (المقاومين) لا يختارون مسارهم بسبب دين أو أيديولوجية رغم أن البعض يفعل ذلك بالتاكيد . وإلى حد ما يصبح معظم الناس إرهابيين (مقاومين) لأن أرضهم قد سلبت . 

على مدار عقود قمت بدراسة أثر الارهابيين تطرفا وهم الإرهابيون الانتحاريون ولا تزال دراستى لـ462 شخصا قتلوا أنفسهم في مهمة لقتل الآخرين في فعل من أفعال الإرهاب من 1982-2003 وهي الدراسة الديموغرافية الأكبر لهؤلاء المهاجمين. ووجدت أن هناك مئات من الإرهابيين الانتحاريين العلمانيين. وفي الواقع فإن قادة الإرهاب الانتحارى في العالم في تلك الفترة كانوا نمور التاميل وهى جماعة مناهضة للدين بشكل مطلق وهى كذلك منظمة ماركسية في سريلانكا نفذت هجمات انتحارية اكثر بكثير من تلك التى نفذتها حماس والجهاد الاسلامى الجماعتين الفلسطينيتين الإرهابيتين (المقاومتين) الأكثر دموية مجتمعتين. حيث أن 95% من الإرهابيين الانتحاريين المسجلين في قاعدة بياناتى كانوا من الذين يقاومون ضد احتلال عسكرى كان يتحكم في  الأراضى التى يعتبرونها موطنهم.

منذ عام 1994 وحتى عام 2005 نفذت حماس والجماعات الفلسطينية ( الإرهابية!) الأخرى اكثر من 150 هجوما انتحاريا (عمليات فدائية – المترجم) أسفرت عن مقتل 1000 إسرائيلى . فقط حينما سحبت إسرائيل قواتها العسكرية من غزة توقفت تلك الجماعات عن هذا الاسلوب بالكلية تقريبا. ومنذ ذلك الحين ازداد عدد الفلسطينيين في الضفة وغزة بنحو 50 % مما جعل سيطرة إسرائيل على تلك المناطق على المدى البعيد أمرا شديد الصعوبة. هناك العديد من الأسباب التى تدفعنا للاعتقاد بأن قيام اسرائيل بإعادة احتلال غزة عسكريا (لمدة غير محددة) وفقا لنتنياهو سيؤدى إلى موجة جديدة وربما أكبر من الهجمات الانتحارية! ضد المدنيين الإسرائيليين (لا يوجد مدنيون في إسرائيل كلهم جنود في جيش الاحتلال – المترجم) 

مشكلة المستوطنين 

رغم وجود العديد من الأبعاد للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، إلا أن هناك حقيقة تساعد على توضيح الصورة المعقدة. فعلى أرض الواقع في كل عام منذ أوائل الثمانينات يزداد عدد المستوطنين اليهود في الأراضى الفلسطينية حتى خلال أعوام عملية السلام الناتجة عن اتفاقيات اوسلو في التسعينات. إن تنامى عدد المستوطنات يعنى للفلسطينيين فقدان الأراضى وزيادة المخاوف من أن اسرائيل سوف تصادر المزيد منها لتوطين المزيد من اليهود في الأراضى الفلسطينية. و قد دعا يوسى داجان المستوطن البارز والعضو في حزب نتنياهو إلى إنشاء مستوطنات في غزة حيث تمت إزالة المستوطنات من هناك عام 2005. 

إن تزايد عدد السكان اليهود (المستوطنين) في الأراضى الفلسطينية يعد عاملا مركزيا في ذلك الصراع المثير. في الأعوام التى تلت حرب 1967 مباشرة كان العدد الكلى لليهود الذين كانوا يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة بضع مئات. وكانت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية شديدة التناغم!!. ولم تحدث هجمات انتحارية فلسطينية وإن حدث عدد محدود من الهجمات من أي نوع خلال تلك الفترة . 

ولكن هذه الاشياء تغيرت بعد وصول حكومة يمينية بقيادة حزب الليكود إلى سدة الحكم في 1977 وعدت بالتوسع في اقامة المستوطنات. فقد ازداد عدد المستوطنين من 4000 في 1977 إلى 24000 في 1983 ثم 116000 في 1993 وصولا إلى عام 2022 حيث بلغ عدد المستوطنين التى يعيشون في الاراضى الفلسطينية 500000 مستوطن باستثناء القدس الشرقية حيث يقيم 230000 يهودى. ومع ازدياد عدد المستوطنات أخذت العلاقات المتناغمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في التلاشى. منذ إنشاء حركة حماس أولا عام 1987 ثم اندلاع الانتفاضة الاولى بين 87-93 والانتفاضة الثانية بين عامى 2000 و 2005 وجولات الصراع لا تزال مستمرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين منذ ذلك الحين .

إن التنامى شبه المستمر لعدد المستوطنات اليهودية يعد سببا جوهريا لفقدان حل الدولتين للمصداقية منذ التسعينات. فإذا كان هناك مسار جاد نحو دولة فلسطينية في المستقبل فإن هذا التنامى يجب أن ينتهى . بعد كل ذلك لماذا يجب على الفلسطينيين أن يرفضوا حماس ويدعموا عملية السلام المفترضة إذا كان ذلك سيعنى فقدان المزيد من الاراضى؟. 

سلام دائم 

وحده حل الدولتين سوف يؤدى إلى أمن دائم للاسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. هذه هي المعالجة الوحيدة القابلة للحياة التى سوف تقوض حركة حماس ويمكن بل وينبغى على إسرائيل أن تدفع في اتجاه خطة وأن تتخذ خطوات نحو تنفيذها قبل التفاوض مع الفلسطينيين. وينبغى أن يكون الهدف إحياء العملية التى كانت في حالة موات منذ فشل آخر مفاوضات في 2008 اى منذ 15 عاما. ولكي نكون واضحين يجب على إسرائيل أن تزاوج بين المعالجة السياسية والمعالجة العسكرية التى تركز على عمليات محدودة ومستدامة ضد قادة حماس ومقاتليهم المسؤولين عن الفظائع التى حدثت في 7 أكتوبر!. ولكن يجب على الدولة أن تتبنى العنصر السياسى في الاستراتيجية الآن وليس لاحقا. ولا تستطيع إسرائيل أن تنتظر إلى حين هزيمة حماس بالقوة العسكرية وحدها. 

إن أولئك الذين يشككون في حل الدولتين يمكن أن يكونوا محقين في أن الاستئناف الفورى للمفاوضات مع الفلسطينيين لن يقلل من إرادة حماس للقتال. وذلك لشىء واحد هو أن الجماعة مؤيدة بشكل علنى لإزالة إسرائيل. ولسبب آخر هو أن الحركة ستكون أكبر الخاسرين في حل الدولتين، ذلك لأن صفقة السلام سوف تنص على حظر المجموعات الفلسطينية المسلحة بالإضافة إلى أن خصم حماس المحلى الرئيسى من المحتمل (فتح) أن تتمتع باستعادة الدعم و الشرعية اذا قامت بتأمين موافقة غالبية الفلسطينيين الداعمين. وحتى إذا تم انجاز حل الدولتين فإن إسرائيل ستكون بحاجة إلى قدرة دفاعية قوية، لأنه لا يوجد حل سياسى يمكنه القضاء بشكل كامل على تهديد الإرهاب لسنوات قادمة. 

و لكن لهذا السبب لا ينبغى أن يكون الهدف الآن هو طرح خطة نهائية لحل الدولتين على الفور وهو أمر ببساطة ليس في نطاق الإمكانية السياسية في الوقت الحالى. وبدلا من ذلك فان الهدف ينبغى أن يكون طريقا لدولة فلسطينية نهائية، ورغم أن المتشككين يزعمون أن مثل هذا الطريق مستحيل لأن إسرائيل ليس لديها شريك فلسطينى مناسب وفي الحقيقة يمكن لإسرائيل أن تتخذ خطوات مصيرية في هذا الصدد. 

إن الحكومة الاسرائيلية يمكن أن تقول علانية انها تنوى تحقيق وضع يمكن فيه للفلسطينيين أن يعيشوا في دولة مختارة من قبل الفلسطينيين جنبا إلى جنب مع دولة يهودية في إسرائيل. ويمكن أن تعلن أنها تنوى تطوير عملية ما لتحقيق ذلك ولنقل بحلول 2030 و انها سوف تخطو خطوات سبيل تحقيق ذلك في الأشهر القادمة . ويمكن أن تعلن أنها سوف تجمد فورا إقامة المستوطنات في الضفة والتخلى عن اقامة مستوطنات في غزة كعربون يوضح التزامها بإقامة دولة فلسطينية. ويمكن أن تعلن انها مستعدة وجاهزة للعمل مع كل الأطراف في المنطقة والمنظمات الدولية وكل الاطراف الفلسطينية المستعدة لقبول هذه الاقتراحات. 

وبعيدا عن كون هذا الأمر لا علاقة له بجهود إسرائيل العسكرية ضد حماس فإن هذه الخطوات سوف تعزز الحملة المستدامة للتقليل من خطر هجمات قريب المدى من قبل الجماعة. إن مكافحة الارهاب الفعالة تستفيد بذكاء من السكان المحليين والتى من المحتمل أن تتنبأ بما إذا كان لدى السكان أمل في حل سياسى لجماعة إرهابية !!! (مقاومة). 

بالطبع فإن الحل الوحيد لهزيمة حماس على المدى الطويل هو دق إسفين سياسى بينها وبين الشعب الفلسطينى. إن الخطوات الإسرائيلية الأحادية تشير إلى التزام جاد بمستقبل جديد يمكن أن يغير بالتاكيد إطار العمل وديناميات العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية وتمنح الفلسطينيين ببساطة بديلا حقيقيا لدعم حماس والعنف. والاسرائيليون على الجانب الآخر سيكونون أكثر أمانا. وسيسلك الطرفان في نهاية المطاف طريقا نحو السلام . 

بالطبع، فإن الحكومة الاسرائيلية الحالية لا تظهر أية إشارة على اقتناعها بهذه الخطة. هذا يمكن أن يتغير خصوصا إذا مارست الولايات المتحدة تأثيرها، فعلى سبيل المثال يمكن للبيت الابيض أن يمارس مزيدا من الضغط على حكومة نتنياهو للحد من الهجمات العشوائية في حملة الغارات الجوية .

و لكن ربما تكون الخطوة الأكثر أهمية التى يمكن أن تتخذها واشنطن هو البدء بسرعة بإقامة نقاش عام رئيسى لحملة إسرائيل في غزة. وهو ما يسمح بتناول استراتيجيات بديلة بعمق وجلب المزيد من المعلومات العامة للأمريكيين والإسرائيليين وشعوب العالم لتقييم عواقب تلك الأحداث عليهم. ومن الممكن أن ينشر البيت الابيض تقييمات الحكومة الامريكية حول تأثير الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة على حماس والمدنيين الفلسطينيين. ويمكن للكونجرس أن يقيم جلسات استماع محورها سؤال بسيط: هل تساهم الحملة في تفريخ المزيد من الإرهابيين أكثر ممن تقتلهم ؟

يوما بعد يوم يتأكد بوضوح فشل معالجة اسرائيل الحالية. أن المناقشة العامة المستمرة لهذا الواقع إلى جانب النظر الجاد في البدائل الذكية توفر أفضل فرصة لإقناع إسرائيل بما هو في النهاية في مصلحتها الوطنية. 

----------------------------
مقال: روبرت بابيه (أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو) – فورين افيرز
ترجمة: محمد أحمد حسن






اعلان